يحذر علم النفس والاجتماع من أن أهم المراحل في حياة الإنسان المراهقة، إذ تشهد بواكيرها تشكل الوعي العاطفي والجسماني تجاه الآخر المختلف، وقد تنحو بأصحابها لسلوك دروب الخطر إن تفلت من الرقابة..
الفتى سامر ابن السابعة عشرة شاءت أقداره أن يتعرف بفتاة تماثله سناً تدعى رفاه، وكأي مراهقين يجدان فسحة حرية من الرقابة كانا يلتقيان خلسة.
ينتظرها أمام المدرسة ساعة الانصراف ويتسكعان في الشوارع، وطوراً عند موقف الباصات وتمر الساعات هناك وهما يتحادثان كأي عاشقين، وكانا من وقت إلى آخر يلتقيان لفترة قصيرة في مداخل البنايات التي لا تشهد كثافة رواد وزائرين لاختلاس قبلات سريعة. وكان كل لقاء يزيدهما عطشاً إلى مزيد من اللقاءات.
كان اللقاء ومكانه هاجسهما على مدار الساعة، وقد أثر ذلك على دراستهما، ولكن وخلافاً للقاعدة التي تقول إن الزوج آخر من يعلم، وهنا وفي هذه العلاقة الأهل، كانوا أول من يعلم.. ولكنهم لم يفعلوا شيئاً مع كل أسف...
كانت والدة رفاه تدرك أن ابنتها تعرف شاباً يواعدها، ولكنها تجاهلت الأمر، فهذه سن المراهقة ولا بد لابنتها أن تنضج عاجلاً أو آجلاً، ولا خوف عليها مادامت تراقبها من بعيد ولا داعي لإطلاع الأب على التفاصيل.
أما سامر فقد كان أكثر حرية في الحركة فهو يتيم الأب ووحيد أمه الموظفة التي تقضي أكثر وقتها في العمل، وبالتالي فلا أحد يسأله، إذا ما عاد متأخراً إلى المنزل وإن استوضحته والدته عن سبب تأخره فالذريعة جاهزة: (( كنت أدرس عند رفيقي ((
ذات يوم جمعة توجهت أم سامر ومعها ابنها لتمضية يوم العطلة الأسبوعية لدى شقيقتها الحاجة فوزية الأكبر سناً، والتي تعيش وحيدة في شقتها منذ أن ترملت، وذلك لوداعها بمناسبة سفرها إلى إحدى دول الخليج لزيارة ابنها الطبيب الذي يعمل هناك.
وقد أبدت خالة سامر قلقها على النباتات الجميلة التي تزين شرفات المنزل والصالون، إضافة إلى بعض طيور الكناري حيال من سيعتني بها خلال فترة سفرها، خصوصاً أنها تخشى أن تودعها عند أحد مخافة أن يهملها وتموت.
وأبدى سامر استعداده القيام بهذه المهمة خلال فترة غيابها، ولاقت الفكرة استحساناً لدى خالته التي أعطته نسخة عن مفتاح شقتها، وأوصته خيراً بها، ووعدته بهدية قيمة لدى عودتها إن أحسن القيام بالمهمة.
عش الغرام...
ما أن أحس سامر بأصابعه تتحسس مفتاح الشقة حتى سرت على شفتيه ابتسامة خافته وتبادرت إلى ذهنه فكرة جلب رفاة إلى الشقة، فالمفتاح وضع حداً للتسكع ولأزمة المكان.. وحرج الغزل في الحدائق العامة والطرقات الجانبية.
لم يكن سامر يتوقع أن ترفض رفاه لقاءه في شقة خالته، لكن ظنه خاب.
فعندما عرض الفكرة عليها رفضت على الرغم من إلحاحه الشديد وتوسلاته العاطفية، ولم تذعن إلى طلبه وبقيت مصرة أن تكون لقاءاتهما كما كانت في السابق، فهذا برأيها أدعى إلى الطمأنينة.
بل ذهبت إلى أبعد من ذلك حين وجهت إليه إنذاراً إن كان يحبها فعلاً ويريدها أن تكون زوجة المستقبل فعليه أن لا يضعها في مثل هذه المواقف المريبة.
كانت الحرة والرغبة تنهشان سامر وتتآكلانه، فكل يوم يمر من دون أن يلتقي رفاه في الشقة خسارة لا تعوض.. إلى أن تفتق ذهنه عن كذبة متقنة الصنع على الرغم من أنها كذبة كلاسيكية، وتتمثل في استدراج رفاه إلى الشقة بزعم أنه أطلع والدته على تفاصيل علاقته بها وأنها وافقت أن تخطبها له بشرط أن تراها أولاً، فإن حازت القبول لديها ستكون الخطوة الثانية زيارة أهل رفاه لقراءة الفاتحة.
وحفاظاً على سمعة ومعنويات رفاه وحتى لا يسجل عليها سابقة أنها زارت سامر في منزله، سيكون اللقاء في منزل خالته من خلال زيارة تبدو في ظاهرها أنها عفوية وبنت ساعتها.
دروس إضافية
في شقة الخالة الحاجة فوزية، وجدت رفاه نفسها وحيدة مع سامر، فلا أحد في الدار، وعلى الرغم من وضوح الصورة إلا أنها سامحت سامر وانساقت معه ضمن حدود عدم تجاوز الخطوط الحمراء، أي العفة.
وبعد أن كسرت رفاه حاجز الخوف، تكررت اللقاءات وبإيقاع سريع، قبل الظهر وبعد الظهر، وفي كل فرصة متاحة، وكان عذر رفاه لأهلها واحداً هو ( الدروس الإضافية ( .
بعد أيام قليلة.. وبينما كان سامر يخرج من شقة خالته صباحاً بعد أن قام بتفقد العصافير، إذ برجل يسكن الشقة المقابلة يدعى الحاج قاسم، يتوقفه ويسأله عن خالته وعن موعد عودتها وقبل أن يرد باغته بالسؤال الآخر الذي كان كالصاعقة: من هي هذه الفتاة التي تحضر إلى شقة خالتك؟ لكن سامر حافظ على رباطة جأشه وأجابه بأنها ابنة خالته الثانية، ثم تابع هبوط الدرج غير مبال بشكوكه.
لم يكن الحاج قاسم رجلاً سوياً فهو ناقم على الدنيا ومن فيها ويزعم أنه يعمل محرراً أو صحفياً في جريدة محلية، إلا أنه لم يدرك يوماً أن لا علاقة له بعذوبة القلم أو جماليات الفكر، لهذا أسندوا إليه منصباً إدارياً ومالياً مع حق الترفيع بمجرد أن يشغر المنصب بوفاة السلف.
فقد كان موظفاً محنط العقل بامتياز، وزاد في السن أولاً ولأسباب أخرى. باختصار، كان قاسم ثقيل الدم والذي يزيد في ثقل دمه، إضافة على شكله القميء، قناعته بأنه بالغ الذكاء وخفيف الدم.
لم يدر في بال الفتى سامر أنه أصبح موضع رقابة ومتابعة جاره الحاج قاسم المتقاعد حديثاً والذي لا شيء يشغله على الإطلاق.
كلما سمع صرير باب شقة الحاجة فوزية يهرع وبسرعة شديدة إلى ( الناضور ) بحيث أصبحت مراقبة الشقة شغله الشاغل إلى أن جاء يوم دخل سامر الشقة وبرفقته التلميذة رفاه، وأغلقا دونهما الباب بحذر شديد، الأمر الذي كشف عن طبيعة الزيارة وعن نوايا الزائر.
وما هي إلا دقائق حتى خرج الحاج قاسم من شقته ووقف أمام باب شقة الحاجة فوزية وبدأ يضغط على الجرس وبقوة وعلى مرات متلاحقة والشرر يتطاير من عينيه ولسان حاله يقول ماذا يفعلان في الداخل.. سأريهما من أنا...؟
في الداخل كان الأمر بالنسبة لرفاه كارثة! فمن هو الطارق المنتاب وعلى حين غرة؟. ولما شاهد سامر من خلال الناضور أن من يقف بالباب هو الحاج قاسم، سرت في أوصاله قشعريرة كالبرداء ، فهو يعرف أنه رجل لئيم ومعقد نفسياً، لا بل حقير أيضاً!.
فانتحى جانباً برفاه التي بدأت فرائضها ترتعد، ويداها وشفتاها ترتجفان رعباً وقلبها كاد يقفز من صدرها من شدة الخفقان. تداولا ماذا يفعلان، وتوصلا إلى قرار سريع: أن يتظاهر سامر أنه كان وحده في الشقة ويخرج بلا مبالاة.. ومن ثم تخرج رفاه بعد نصف ساعة أو أكثر يكون قاسم خلالها دخل شقته وانصرف... وينتهي الموقف بسلام.
الحاج قاسم يدخل على الخط...
خرج سامر من الشقة كما تم عليه الاتفاق، ونزل الدرج وغادر وكأن شيئاً لم يكن والحاج قام لم يدخل شقته، بل بقي واقفاً ينتظر الفتاة التي في الداخل أن تخرج ويذكرها أنه يعرف أنها في الداخل. وبدأ يهددها إن لم تخرج فوراً فسيتصل بالشرطة ويسبب لها فضيحة، ثم أخذ يطرق الباب بيديه ثم برجليه محدثاً ضجيجاً خرج على أثره معظم سكان البناء يستوضحون ما يجري فالتفت عليهم الحاج قاسم وأخبرهم وبصوت عال بأن فتاة سافلة من ( إياهن ) مختبئة في الداخل!..
وشرع الحاج قاسم، صاحب النخوة والرجولة، يمسك بالباب محاولاً فتحه بقوة، وهو يعلم أنه لا يستطيع، ولكن لكي يدخل الرعب في قلب التلميذة المختبئة في الداخل والمرتجفة كعصفور صغير...
اجتمع الكثير من الجيران، وبينما هم متجمهرون أمام باب الشقة والحاج قاسم يقود المعركة لإخراج الفتاة، إذ يسمع الجميع صوت ( خبطة ) قوية جاءت من منور البناء... صوت ارتطام لم يعرفوا سببه! يهرع الجميع إلى نافذة المنور، ليتفاجأوا بوجود فتاة في قاع المنور جثة بلا حراك مرتدية ثوب المدرسة والحقيبة المدرسية لا تزال معلقة على كتفها.
حضرت الشرطة وحضر رئيس النيابة، وباشروا التحقيق وبدأ السؤال، كيف سقطت رفاه من الطابق الخامس وفي فسحة المنور... ولماذا...؟ وهل كان في سقوطها مداخلة جرمية؟.
وتبين أنه حين أدركت التلميذة رفاه أن الحاج قاسم الموظف المحال على التقاعد سينال منها لا محالة، ولن يثنيه عن عزمه شيء، لم تجد أمامها إلا أن تغامر وتحاول الهرب على الشقة الأدنى من خلال نافذة المطبخ المطلة على المنور مستعينة بمواسير وتمديدات المياه المالحة... إلا أن يديها المرتجفتين خذلتاها.. فانزلقت قدماها الواهنتان وهوت المسكينة إلى قاع المنور تشكو إلى بارئها ذلك الرجل الذي أطلق على نفسه زوراً وبهتاناً لقب الحاج.
الحاج... المنبوذ
عندما فرغ محامي الإدعاء الشخصي من شرح تفاصيل المأساة لقاضي الإحالة إغرورقت عينا القاضي بالدمع وأقسم بألا يخلي سبيله أبداً مادام الملف تحت يده حتى ولو وصل الأمر إلى الوزارة.
بعد ذلك بدأ قاسم حملة تقديم إخلاءات السبيل بنفسه بعد أن رفض معظم المحامين التوكل عنه.
مضى عام كامل وقاسم يتوجع، ليس من ألام السجن وفقدان الحرية فحسب، إنما من اضطهاد نزلاء السجن له ورجال الإدارة على السواء. فقد كان منبوذاً محتقراً من الجميع، إلى أن جاء يوم وقرر القاضي إخلاء سبيله بكفالة ما دام الجرم المعزو إليه هو التسبب بالوفاة وهو وصف جنحوي والتوقيف سنة أكثر من كاف...
الثلاثاء أكتوبر 23, 2012 10:05 pm من طرف lma albna
» لماذا نحنّوا للماضي رغم حلاوة الحاضر؟
الخميس سبتمبر 27, 2012 4:41 pm من طرف lma albna
» همس الصور
الخميس سبتمبر 27, 2012 4:32 pm من طرف lma albna
» مثير للشفقه
الخميس سبتمبر 27, 2012 4:23 pm من طرف lma albna
» حب من اول لايك
الخميس سبتمبر 27, 2012 4:17 pm من طرف lma albna
» دنيا آخر وقت
السبت يونيو 09, 2012 7:36 pm من طرف بلسم الفؤاد
» صلوا على رسول الله عليه افضل الصلاه واتم التسليم
الإثنين يونيو 04, 2012 1:09 pm من طرف Mohammed
» اين انتي يا انا
الإثنين مايو 21, 2012 11:16 pm من طرف ola hamdan
» هلا ومرحب بـ lma albna
الجمعة مايو 18, 2012 1:38 am من طرف بلسم الفؤاد
» طريقة حذف الكوكيز
الجمعة مايو 18, 2012 1:33 am من طرف بلسم الفؤاد